فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فالذين ءامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لهم أجرٌ كبيرٌ} في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه أمر الناس أولًا بأن يشتغلوا بطاعة الله، ثم أمرهم ثانيًا بترك الدنيا والإعراض عنها وإنفاقها في سبيل الله، كما قال: {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعام: 91]، فقوله: {قُلِ الله} هو المراد هاهنا من قوله: {آمنوا بالله وَرَسُولِهِ} وقوله: {ثُمَّ ذَرْهُمْ} هو المراد هاهنا من قوله: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}.
المسألة الثانية:
في الآية وجهان الأول: أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، ثم إنه تعالى جعلها تحت يد المكلف، وتحت تصرفه لينتفع بها على وفق إذن الشرع، فالمكلف في تصرفه في هذه الأموال بمنزلة الوكيل والنائب والخليفة، فوجب أن يسهل عليكم الإنفاق من تلك الأموال، كما يسهل على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه الثاني: أنه جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم، لأجل أنه نقل أموالهم إليكم على سبيل الإرث، فاعتبروا بحالهم، فإنها كما انتقلت منهم إليكم فستنقل منكم إلى غيركم فلا تبخلوا بها.
المسألة الثالثة:
اختلفوا في هذا الإنفاق، فقال بعضهم: هو الزكاة الواجبة، وقال آخرون: بل يدخل فيه التطوع، ولا يمتنع أن يكون عامًا في جميع وجوه البر، ثم إنه تعالى ضمن لمن فعل ذلك أجرًا كبيرًا فقال: {فالذين ءامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} قال القاضي: هذه الآية تدل على أن هذا الأجر لا يحصل بالإيمان المنفرد حتى ينضاف هذا الإنفاق إليه، فمن هذا الوجه يدل على أن من أخل بالواجب من زكاة وغيرها فلا أجر له.
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف، وذلك لأن الآية تدل على أن من أخل بالزكاة الواجبة لم يحصل له ذلك الأجر الكبير، فلم قلتم: إنها تدل على أنه لا أجر له أصلًا.
{وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى وبخ على ترك الإيمان بشرطين أحدهما: أن يدعو الرسول، والمراد أنه يتلو عليهم القرآن المشتمل على الدلائل الواضحة الثاني: أنه أخذ الميثاق عليهم، وذكروا في أخذ الميثاق وجهين الأول: ما نصب في العقول من الدلائل الموجبة لقبول دعوة الرسل، واعلم أن تلك الدلائل كما اقتضت وجوب القبول فهي أوكد من الحلف واليمين، فلذلك سماه ميثاقًا، وحاصل الأمر أنه تطابقت دلائل النقل والعقل، أما النقل فبقوله: {والرسول يَدْعُوكُمْ}، وأما العقل فبقوله: {وَقَدْ أَخَذَ ميثاقكم} ومتى اجتمع هذان النوعان، فقد بلغ الأمر إلى حيث تمتنع الزيادة عليه، واحتج بهذه الآية من زعم أن معرفة الله تعالى لا تجب إلا بالسمع، قال: لأنه تعالى إنما ذمهم بناء على أن الرسول يدعوهم، فعلمنا أن استحقاق الذم لا يحصل إلا عند دعوة الرسول الوجه الثاني في تفسير أخذ الميثاق: قال عطاء ومجاهد والكلبي والمقاتلان: يريد حين أخرجهم من ظهر آدم، وقال: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قالواْ بلى} [الأعراف: 172] وهذا ضعيف، وذلك لأنه تعالى إنما ذكر أخذ الميثاق ليكون ذلك سببًا في أنه لم يبق لهم عذر في ترك الإيمان بعد ذلك، وأخذ الميثاق وقت إخراجهم من ظهر آدم غير معلوم للقوم إلا بقول الرسول، فقبل معرفة صدق الرسول لا يكون ذلك سببًا في وجوب تصديق الرسول، أما نصب الدلائل والبينات فمعلوم لكل أحد، فذلك يكون سببًا لوجوب الإيمان بالرسول، فعلمنا أن تفسير الآية بهذا المعنى غير جائز.
المسألة الثانية:
قال القاضي قوله: {وَمَا لَكُمْ} يدل على قدرتهم على الإيمان إذ لا يجوز أن يقال ذلك إلا لمن لا يتمكن من الفعل، كما لا يقال: مالك لا تطول ولا تبيض، فيدل هذا على أن الاستطاعة قبل الفعل، وعلى أن القدرة صالحة للضدين، وعلى أن الإيمان حصل بالعبد لا بخلق الله.
المسألة الثالثة:
قرئ: {وَقَدْ أَخَذَ ميثاقكم} على البناء للفاعل، أما قوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فالمعنى إن كنتم تؤمنون بشيء لأجل دليل، فما لكم لا تؤمنون الآن، فإنه قد تطابقت الدلائل النقلية والعقلية، وبلغت مبلغًا لا يمكن الزيادة عليها. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} أي صدّقوا أن الله واحد وأن محمدًا رسوله {وَأَنفِقُواْ} تصدّقوا.
وقيل أنفقوا في سبيل الله.
وقيل: المراد الزكاة المفروضة.
وقيل: المراد غيرها من وجوه الطاعات وما يقرب منه {مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله فيثيبه على ذلك بالجنة.
فمن أنفق منها في حقوق الله وهان عليه الإنفاق منها، كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه، كان له الثواب الجزيل والأجر العظيم.
وقال الحسن: {مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم.
وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النوّاب والوكلاء، فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم.
{فالذين آمَنُواْ} وعملوا الصالحات {مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ} في سبيل الله {لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} وهو الجنة.
قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله} استفهام يراد به التوبيخ.
أي أيّ عذر لكم في ألاّ تؤمنوا وقد أزيحت العلل؟! {والرسول يَدْعُوكُمْ} بيّن بهذا أنه لا حكم قبل ورود الشرائع.
وقرأ أبو عمرو: {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} على غير مسمى الفاعل.
والباقون على مسمَّى الفاعل؛ أي أخذ الله مِيثاقكم.
قال مجاهد: هو الميثاق الأوّل الذي كان وهم في ظهر آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه.
وقيل: أخذ مِيثاقكم بأن ركّب فيكم العقول، وأقام عليكم الدلائل والحجج التي تدعو إلى متابعة الرسول {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} أي إذ كنتم.
وقيل: أي إن كنتم مؤمنين بالحجج والدلائل.
وقيل: أي إن كنتم مؤمنين بحق يومًا من الأيام؛ فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والأعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فقد صحت براهينه.
وقيل: إن كنتم مؤمِنين بالله خالقكم.
وكانوا يعترفون بهذا.
وقيل: هو خطاب لقوم آمنوا وأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم ميثاقهم فارتدوا.
وقوله: {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} أي إن كنتم تقرون بشرائط الإيمان. اهـ.

.قال الألوسي:

{ءامِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} أي جعلكم سبحانه خلفاء عنه عز وجل في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة، عبر جل شأنه عما بأيديهم من الأموال بذلك تحقيقًا للحق وترغيبًا في الإنفاق فإن من علم أنها لله تعالى وإنما هو بمنزلة الوكيل يصرفها إلى ما عينه الله تعالى من المصارف هان عليه الانفاق، أو جعلكم خلفاء عمن كان قبلكم فيما كان بأيديهم فانتقل لكم، وفيه أيضًا ترغيب في الانفاق وتسهيل له لأن من علم أنه لم يبق لمن قبله وانتقل إليه علم أنه لا يدوم له وينتقل لغيره فيسهل عليه إخراجه ويرغب في كسب الأجر بإنفاقه ويكفيك قول الناس فيما ملكته لقد كان هذا مرة لفلان، وفي الحديث «يقول ابن آدم: ما لي ما لي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت» والمعنى الأول هو المناسب لقوله تعالى: {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} [الحديد: 5] وعليه ما حكى أنه قيل لاعرابي: لمن هذه الإبل؟ فقال: هي لله تعالى عندي، ويميل إليه قول القائل:
وما المال والأهلون (إلا ودائع) ** ولا بد يومًا أن ترد الودائع

والآية على ما روى عن الضحاك نزلت في تبوك فلا تغفل {فالذين ءامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ} حسبما أمروا به {لَهُمْ} بسبب ذلك {أَجْرٌ كَبِيرٌ} وعد فيه من المبالغات ما لا يخفى حيث جعل الجملة اسمية وكان الظاهر أن تكون فعلية في جواب الأمر بأن يقال مثلًا آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا تعطوا أجرًا كبيرًا، وأعيد ذكر الايمان والانفاق دون أن يقال فمن يفعل ذلك فله أجر كبير وعدل عن فالذين آمنوا منكم وأنفقوا أجر إلى ما في النظم الكريم وفخم الأجر بالتنكير، ووصف بالكبير، وقوله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله} استئناف قيل: مسوق لتوبيخهم على ترك الايمان حسبما أمروا به بإنكار أن يكون لهم في ذلك عذر ما في الجملة على أن لا تؤمنون حال من ضمير لكم والعامل ما فيه من معنى الاستقرار أي أيّ شيء حصل لكم غير مؤمنين على توجيه الانكار والنفي إلى السبب فقط مع تحقق المسبب وهو مضمون الجملة الحالية أعني عدم الايمان فأي لإنكار سبب الواقع ونفيه فقط، ونظيره قوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] وقد يتوجه الانكار والنفي في مثل هذا التركيب لسبب الوقوع فيسريان إلى المسبب أيضًا كما في قوله تعالى: {وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ} [يس: 22] إلخ ولا يمكن إجراء ذلك هنا لتحقق عدم الايمان وهذا المعنى مما لا غبار عليه، وقوله تعالى: {والرسول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ} حال من ضمير {لاَ تُؤْمِنُونَ} مفيدة على ما قيل: لتوبيخهم على الكفر مع تحقق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم ما يوجبه، ولام {لّتُؤْمِنُواْ} صلة يدعو وهو يتعدى بها وبإلى أي وأي عذر في ترك الايمان {والرسول يَدْعُوكُمْ} إليه وينبهكم عليه، وجوّز أن تكون اللام تعليلية وقوله سبحانه: {وَقَدْ أَخَذَ ميثاقكم} حال من فاعل يدعوكم أو من مفعوله أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالايمان من قبل كما يشعر به تخالف الفعلين مضارعًا وماضيًا، وجوز كونه حالًا معطوفة على الحال قبلها فالجملة حال بعد حال من ضمير {تُؤْمِنُونَ} والتخالف بالاسمية والفعلية يبعد ذلك في الجملة، وأيًا مّا كان فأخذ الميثاق إشارة إلى ما كان منه تعالى من نصب الأدلة الآفاقية والأنفسية والتمكين من النظر فقوله تعالى: {والرسول يَدْعُوكُمْ} إشارة إلى الدليل السمعي وهذا إشارة إلى الدليل العقلي وفي التقديم والتأخير ما يؤيد القول بشرف السمعي على العقلي.
وقال البغوي: هو ما كان حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم بأنه سبحانه ربهم فشهدوا وعليه لا مجاز والأول اختيار الزمخشري، وتعقبه ابن المنير فقال: لا عليه أن يحمل العهد على حقيقته وهو المأخوذ يوم الذر وكل ما أجازه العقل وورد به الشرع وجب الايمان به، وروى ذلك عن مجاهد، وعطاء، والكلبي، ومقاتل، وضعفه الإمام بأن المراد إلزام المخاطبين الايمان ونفي أن يكون لهم عذر في تركه وهم لا يعلمون هذا العهد إلا من جهة الرسول فقبل التصديق بالرسول لا يكون سببًا للالزامهم الايمان به، وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إن الضمير في {أَخَذَ} إن كان لله تعالى فالمناسب أن يراد بالميثاق ما دل عليه قوله تعالى: {قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدِىَ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ}.
[البقرة: 38] إلخ لأن المعنى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} [طه: 123] برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم، ويدل على الأول قوله سبحانه: {والرسول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ} وعلى الثاني {هُوَ الذي يُنَزّلُ على عَبْدِهِ ءايات} [الحديد: 9] الخ، وإن كان للرسول صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن يراد به ما في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كتاب وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81] على أن يضاف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق لا الموثق عليه أي الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم، وهو الوجه لأن الخطاب مع الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما يدل عليه ما بعد، ولعل الميثاق نحو ما روينا عن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل.
وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله تعالى ولا نخاف لومة لائم انتهى.
ويضعف الأول بنحو ما ضعف به الإمام حمل العهد على ما كان يوم الذر، وضعف الثاني أظهر من أن ينبه عليه.
والخطاب قال (صاحب الكشف): عام يوبخ من لم يؤمن منهم بعدم الايمان ثم من آمن بعدم الانفاق في سبيله.
وكلام أبي حيان ظاهر في أنه للمؤمنين، وجعل {آمنوا} [الحديد: 7] أمرًا بالثبات على الايمان ودوامه {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ} إلخ على معنى كيف لا تثبتون على الايمان ودواعي ذلك موجودة.
وظاهر كلام بعضهم كونه للكفرة وهو الذي أشرنا إليه من قبل، ولعل ما ذكره (صاحب الكشف) أولى إلا أنه قيل عليه: إن آمنوا إذا كان خطابًا للمتصفين بالايمان ولغير المتصفين به يلزم استعمال الأمر في طلب أصل الفعل نظرًا لغير المتصفين وفي طلب الثبات نظرًا للمتصفين وفيه مافيه، ويحتاج في التفصي عن ذلك إلى إرادة معنى عام للأمرين، وقد يقال أراد أنه عمد إلى جماعة مختلفين في الأحوال فأمروا بأوامر شتى وخوطبوا بخطابات متعددة فتوجه كل أمر وكل خطاب إلى من يليق به وهذا كما يقول الوالي لأهل بلده: أذنوا وصلوا ودرسوا وأنفقوا على الفقراء وأوفوا الكيل والميزان إلى غير ذلك فإن كل أمر ينصرف إلى من يليق به منهم فتأمل، وقرئ {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ} بالله ورسوله، وقرأ أبو عمرو {وَقَدْ أَخَذَ ميثاقكم} بالبناء للمفعول ورفع {ميثاقكم} {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} شرط جوابه محذوف دل عليه ما قبل، والمعنى إن كنتم مؤمنين لموجب مّا فهذا موجب لا موجب وراءه، وجوز أن يكون المراد إن كنتم ممن يؤمن فما لكم لا تؤمنون والحالة هذه، وقال الواحدي: أي إن كنتم مؤمنين بدليل عقلي أو نقلي فقد بان وظهر لكم على يدي محمد صلى الله عليه وسلم ببعثته وإنزال القرآن عليه؛ وأيًا مّا كان فلا تناقض بين هذا وقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ} وقال الطبري في ذلك: المراد إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فآمنوا الآن؛ وقيل: المراد إن كنتم مؤمنين بموسى وعيسى عليهما السلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فإن شريعتهما تقتضي الايمان به عليه الصلاة والسلام أو إن كنتم مؤمنين بالميثاق المأخوذ عليكم في عالم الذر فآمنوا الآن، وقيل: المراد إن دمتم على الايمان فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة، والكل كما ترى.
وظاهر الأخير أن الخطاب مع المؤمنين وهو الذي اختاره الطيبي، وقال في هذا الشرط: يمكن أن يجري على التعليل كما في قوله تعالى: {يَحْزَنُونَ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الربا إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] لأن الكلام مع المؤمنين على سبيل التوبيخ والتقريع يدل عليه ما بعد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}.